قصة صحفية, الحاجة سميحة تستعيد بالرسم وهج الحياة


التسعينية سميحة لحلوح, تستعيد بالرسم وهج الحياة


إعداد: تسنيم خالد صعابنة





تستيقظ صباحاً  في تمام الساعة الخامسة فجراً, وعلى نفحات النسيم العليل و تغاريد العصافير الجميلة ترسم ألوان الحياة والفرح في كراس رسمها الصغير إلى أن تشرق شمس يوم مفعم بالحيوية.

هكذا تقضي الحاجة  "سميحة لحلوح" أم سمير 87عام، من بلدة عرابةجنوب جنين, وقتها في الرسم, تعلمت الفن بجهد ذاتي وهي في عُمر (77عاما).

 والأهم مما ترسم إحساسها الجميل بما تقوم به كل يوم من مداعبة الألوان ورسم ما يجول في خاطرها, وهذا يدل بأن الفن لغة الروح ولا علاقة له بالعمر.

حيث تمسك بيدها المرتجفة ألوانا خشبية وأخرى مائية، ترسم ذكرياتها وكل ما تشاهده عينها منذ 10 سنوات، ولا تملك "أم سمير" مرسما خاصا"، بل تستخدم أقلام وألوان بسيطة.

كما أنها تعتز كثيرًا بلقب "الفنانة"، حيث تقول: "الكل في البلد يتحدثوا عني: "الفنانة أم سمير".  

تغمس الحاجة لحلوح  الريشة بيدها الواهنة المترهلة في خليط الألوان المائية والخشبية, وتسكب على ورقة بيضاء مشاهد عالقة في ذاكرتها البعيدة والقريبة.



وللسيدة لحلوح 23 حفيداً، منهم طلبة على المقاعد الجامعية وعلى مدى ست سنوات خلت، استطاعت" الحاجة أم سمير"، رسم نحو 900 لوحة متنوعة تحتفظ بها.

ماذا ترسم؟
 ورسمت الفنانة "أم سمير"  التي بدأت بالرسم قبل عشر سنوات فقط, الحيوانات والشخصيات وأكواباً وزهوراً وبيوتاً وطيوراُ, ولكل لوحة قصة خاصة".

البداية
وتكمل, "كانت البداية مضحكة ولكنها جميلة, كان يوم الاثنين, صباح جميل تقريباً كانت الساعة الثالثة عصراً وكنت أجلس في حديقة  المنزل , كنت صائمة وأنتظر موعد الإفطار, فجأة شعرت بأن داخلي مشاعر وتعبيرات بحاجة إلى أن تنفجر خارجاً, ولا شيء يفجرها سوا الرسم, طلبت من حفيدتي أن تجلب لي ورقة وقلم وبدأت أرسم كل ما أشعر به".

بابتسامة تملئ وجهها تقول, "بعدما أنهيت من الرسم فوجئ الجميع بما رسمته, وتساءلوا بدهشة "هل هذا رسمك أنتي".


مشيحة بوجهها نحو رسوماتها تقول: "أجبت على سؤالهم, "نعم" أنا من رسم هذه الرسومات, رأيت في منامي القائد أبو عمار كان قد طلب مني أن أرسمه, وأجبته بأن لا وقت لي, فقال أنه سوف  يأخذني على فرنسا وإيطاليا, ومن هذا الوقت بدأت الرسم".

موهبة فطرية
مؤكدة أن عائلتها لامست فيها الموهبة، فشجعوها ودعموها وما يزالون على السير نفسه.
وتكمل حديثها وهي تنظر إلى بعضاً من رسوماتها التي رسمتها,  "قصتي مع الرسم تغذيها الفطرية، أو نسميها ملكة أو موهبة، لا أنتمي إلى أي مدرسة أو معهد للرسم، لكن ما أشعر به هو انجذابي للطبيعة بشكل لافت". 


التغلب على وقت الفراغ
وأضافت "لحلوح": "أرسم لأتغلب على وقت الفراغ، أستمتع بذلك وأرسم كل شيء، أفرح لذلك ويفرح لي الناس".
قد لا يصدق الناظر إلى رسومات الحاجة لحلوح أنها رسومات مسنة على أعتاب التسعين من عمرها.
بحشرجة تملئ صوتها تقول الحاجة لحلوح, "هذه الرسمة صورة ولدي سمير الذي توفي, رسمته منذ عدة سنوات".

وتحتفظ "لحلوح" برسوماتها، وترفض أن تهدي أحداً أيا منها.

وتردف, "من يريد مني أن أرسم له لا أتردد, أما رسوماتي فلا أفرط في أي منها, هي خاصتي, لا أستطيع الاستغناء عن إحداهما".

وتواصل الحاجة لحلوح موهبتها بالرسم والتي تنفض من خلالها غبار ووجع السنين، وترسم كل ما يخطر ببالها من قصص عن أبنائها وأحفادها وجيرانها وأقاربها.


كما تتسامر "أم سمير" الفلسطينية ليلاً مع أحفادها، وترسم لهم نشاطات مدرسية, وترسم لهم اللوحات الفنية والتعليمية.


الشعور بالملل
تتحدث الحاجة لحلوح, "في البداية كان يجتاحني شعوراً بالملل عندما أقضي أكثر من نصف ساعة في الرسمة, أما الآن أجلس أكثر من 12 ساعة, أركز في التفاصيل, علمت أن لا هنالك شيء منفصل وكل شيء مرتبط مع بعضه.

المُتعة
ترسم كلّما أمكنها ذلك، يوميّاً ولعدة ساعات. في هذا البذل الجسدي والعقلي غير المسبوق، كانت المتعةُ دائماً في الموعد، وكذلك ولَعُ الاكتشاف.

وتقول الحاجة سميحة: الرسم يشعرُني براحة كبيرة، بحياة جديدة، وبأنني فراشة صغيرة السن تحلق عاليًا,  ولدي هدف أسعى لتحقيقه.

وتقول:  " أشاهد التلفاز أو أتبادل أطراف الحديث مع أحد، أقوم بقراءة آيات بينات من الذكر الحكيم، وأحدد في رأسي ماذا سأرسم".


طاقة
وتروي, "طاقة مجهولة كانت تندسّ في دواخلي فتنبَجِسُ من هذه الطاقة نوع من التعبير الجديدٍ أستغني فيه عن رفقتي القديمة، أي الكلمات والحوار".

 "إنها يدي التي صارت تأخذ زمام الأمور، يحرّكها الجسد المتوتر كقوس".

وتنوي ابنتها الثلاثينية, "كفاية لحلوح" الموظفة في سلك التربية والتعليم, تنظيم معرض صور لوالدتها, بسبب تطور موهبة والدتها "أم سمير" التي أصبحت ترسم على الجدران ولوحات كبيرة بجانب رسمها على الدفاتر, حيث زينت  جدران منزلها الخارجية برسومات الأزهار.


وتقول كفاية ابنتها, "تبدو الرسومات  التي ترسمها والدتي بسيطة ولكنها تعبر عن قصص وحكايا، وتحمل كل منها معنى جانب جسدته والدتي بيدها المرتجفة بعد أن بلغت هذا العمر".


تنظر كفاية لوالدتها وتبتسم قائلة: "تتلقى أمي منا الدعم الكامل، نشجعها ونحن فخورون بها."
وأضافت: "أيضا أننا لم نرى والدتنا بهذه السعادة من قبل".

وتكمل: "في كثير من الأحيان أشاهد والدتي في الشوارع تقف بجانب بعض الصور والرسومات, وعند عودتها إلى المنزل  تعيد رسم كل ما شاهدته على دفترها".

وترى كفاية أن والدتها وجدت ضالتها في الرسم، تجسد من خلالها ذكرياتها وآمالها، والأهم أنها قتلت وقت الفراغ بأسلوب ممتع".

تقول الحاجة لحلوح: "الآن، وأنا أستشعر التعاطف السّمح من حولي، أستطيع أن أقول بضع كلمات عن تلك الرغبة التي تولّدت لديّ، وجعلتني أرسُم منذ عدة سنوات".


نوادر ومواقف
نوادر ومواقف تملئ ذاكرة لحلوح, مثلما بمتلئ وجهها بالتجاعيد، ولا شك بأن مشاركة المسنين بهذه المواهب والهوايات تعود عليهم بحالة نفسية تجعلهم ينظرون إلى الحياة نظرة تفاؤلية، بعيدة عن الأرقام والعمر.


ذكريات
تنظر الحاجة أم سمير إلى إحدى رسوماتها التي رسمتها للقائد أبو عمار وتقول: "رسمت القائد أبو عمار أكثر من أربعة مرات".


وتوصف اندهاش أحد الأشخاص برسمة قدمتها له للقائد أبو عمار بطلب منه, بعد مجيئه  خصيصاً من قرية الجلمة لكي ترسمها له.


أيقنت الحاجة لحلوح أن الإنسان لو أراد أن يصل لشيء ولديه الرغبة والشغف والحماس  بهذا الشيء فهو قادر على الوصول إليه ولاشيء يمنعه, حتى لو تجاوز الثمانون عاماً.


https://www.youtube.com/watch?v=oXVr9RmNUPY






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة